فصل: فصل في أحكام التعزية لأهل الميت:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في أحكام التعزية لأهل الميت:

تسن تعزية المسلم المصاب بالميت لما ورد عن الأسود عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عزى مصابًا فله مثل أجره». رواه ابن ماجة والترمذي وحديث عمرو بن حزم مرفوعًا: «ما من مؤمن يعزى أخًا بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الجنة». رواه ابن ماجه.
واعلم أن التعزية هي التصبير وذكر ما يسلي صاحب المصيبة ويخفف حزنه ويهون مصيبته.
وهي مستحبه لأنها مشتملة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي داخلة قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}.
وهذا من أحسن ما يستدل به في التعزية ثم التعزية التي هي الأمر بالصبر والرضا بما قدر الله مستحبة قبل دفن الميت وبعده وهو أفضل لأن أهل الميت مشغولون قبل دفنه بتجهيزه ولأن وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر هذا إذا لم يظهر منهم جزع فإن تبين له منهم جزع قدم التعزية ليسكنهم.
قال العلماء ويكره الجلوس للتعزية وذلك بان يجتمع أهل الميت في بيت ليقصدهم من أراد التعزية لما في ذلك من استدامة الحزن وقد حدث في زمننا هذا أناس يقبلون المصاب بالميت مع تعزيتهم له ولا أدري ما مسندهم ولا اعلم أن أحدًا من الصحابة أو التابعين فعل ذلك ولا الذين بعدهم على منتصف هذا القرن الرابع عشر.
اللهم اعصمنا عن البدع وأحسن ما يعزى به ما روي في الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، قال أرسلت إحدى بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم لرسول الله تدعوه وتخبره أن ابنًا لها في الموت فقال عليه الصلاة والسلام للرسول: «ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب». وذكر الحديث.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم أن لله ما أخذ أن العالم كله ملك لله ولم يأخذ ما هو لكم بل هو آخذ ما هو له عندكم في معنى العارية وقوله وله ما أعطى أي ما وهبه لكم ليس خارجًا عن ملكه بل سبحانه يفعل فيه ما يشاء وكل شيءٍ بأجلٍ مسمى.
فلا تجزعوا فإن من قبضه فقد انقضى أجله المسمى فمحال تأخيره أو تقديمه قال تعالى: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} فإذا علمتم ذلك فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم والله أعلم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فصل:
ويقال للمصاب بمسلم أعظم الله أجرك وأحسن عزاؤك أو يقول غير ذلك قال الموفق لا أعلم في التعزية شيئًا محدودًا إلا أنه يروى إن النبي صلى الله عليه وسلم عزى رجلاً فقال: «رحمك الله وأجرك». رواه أحمد. ويقول المعزى: استجاب الله دعاك ورحمنا وإياك ويحرم تعزية الكافر سواء كان الميت مسلمًا أو كافر لأن فيها تعظيمًا للكافر.
وعزى بعضهم أخًا له في ابنه فقال: أحسن عزاهم فيه وأعظم لهم الأجور والهمهم التسليم للمقدور نقول جميعًا كما قال الصابرون: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} فالله الله أوصيك أخي إن تتدرع بِالرِّضا وتسلم للقضاء فالمصاب من حرم الثواب.
واذكر آية في كتاب الله تشرح للمؤمن صدره وتجلب له صبرة وتهون خطبة وتذكره ربه قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} إلى قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
وقال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} وفي الصحيح عن صهيب مرفوعًا: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له».
وقال آخر يعزى بعض إخوانه: المأمول فيكم الصبر والاحتساب والتعزي بعزاء الله فقد قال بعض العلماء إنك لن تجد أهل العلم والإيمان إلا وهم أقل الناس انزعاجًا عند المصائب وأحسنهم طمأنينة واقلهم قلقًا عند النوازل وما ذاك إلا لما أتوا مما حرمه الجاهلون.
قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
فهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب وأنفعه له في العاجلة والآجلة فإنها تتضمن أصلين عظيمين إذا تحقق العبد بمعرفتها تسلى عن مصيبة لأن العبد وأهله وماله ملك لله يتصرف فيه حيث جعله عند عبده عارية.
والمعير مالك قاهر قادر والعبد محفوف بعدمين عدم قبله وعدم بعده وملك العبد متعة معارة الثاني أن مصير العبد ومرجعه ومرده إلى مولاه الحق الذي له الحكم والأمر ولابد أن يخلف ما خوله في هذه الدار وراء ظهره ويأتي فردًا بلا أهلٍ ولا مالٍ ولا عشيرةٍ ولكن بالحسنات والسيئات.
ومن هذا حاله لا يفرح بموجود ولا يأسف على مفقودٍ وإذا علم المؤمن علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه هانت عليه المصيبة وأطمأن بأذن الله وقد قيل:
مَا قَدْ قضي يَا نَفْسُ فَاصْطَبِرِي لَهُ ** وَلَكَ الأَمَان مِنَ الَّذِي لَمْ يُقْدَرِ

وَتَعَلَّمِي أَنَّ الْمُقَدَّرَ كَائِنٌ ** يَجْرِي عَلَيْكَ عَذِرْتَ أَمْ لَمْ تُعْذَر

ومن صفات المؤمن أنه عند الزلازل وقور وفي الرخاء شكور ومما يخفف المصائب برد التأسي فانظروا يمينًا وشمالاً وأمام وَوَراء فإنكم لا تجدون إلا من قد وقع به ما هو أعظم من مصيبتكم أو مثلها أو قريب منها ولم يبق إلا التفاوت في عوض الفائت أعوذ بالله من الخسران.
ولو أمعن البصير في هذا العالم جميعه لم يرى إلا مبتلي إما لفوت محبوبٍ أو حصول مكروهٍ وإن سرور الدنيا أحلام ليلٍ أو كظلٍ زائلٍ إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا وإن سرت يومًا أساءت دهرًا جمعها على انصداع ووصلها على انقطاع.
إقبالها خديعة وإدبارها فجيعة لا تدوم أحوالها ولا يسلم نزالها حالها انتقال وسكونها زوال غرارة خدوع معطية منوع نزوع ويكفي في هوانها على الله أن لا يعصى إلا فيها ولا ينال ما عنده إلا بتركها.
مع أن المصائب من حيث هي رحمة للمؤمن وزيادة في درجاته كما قال بعض السلف لو مصائب الدنيا لوردنا الآخرة مفاليس والرب سبحانه لم يرسل البلاء إلى العبد ليهلكه ولا ليعذبه ولكن امتحانًا لصبره ورضاه عنه واختبارًا لإيمانه وليراه طريحًا ببابه لائذًا بجنابة منكسر القلب بين يديه فهذا من حيث المصائب الدنيوية وأما ما جرى عليكم فأنتم به بالتهنئة أجدر من التعزية.
ولعمر الله إن من سلم له دينه فالمحن في حقه منح والبلايا عطايا والمكرهات له محبوبات وأما المصيبة العظمى والخطب الأكبر والكسر الذي لا يجبر والعثار التي لا تقال فهي المصيبة في الدين كما قيل:
وَكُلُّ كَسْرٍ فِإِنَّ اللهَ يَجْبِرَهُ ** وَمَا لِكَسْرِ قَنَاةِ الدِّين جُبْرَانُ

آخر:
الدِّينُ رَأْسُ الْمَالِ فَاسْتَمْسِكْ بِهِ ** فَضِيَاعُهُ هُوَ أَعْظَمُ الْخُسْرَان

آخر:
لَعَمْرِيَ مَا الرَّزِيَّة فَقْدُ قَصُرٍ ** فَسِيحٍ مُنْيَةٍ لِلسَّاكِينِنَا

وَلَكِنَّ الرَّزِيَّةَ فَقْدُ دِين ** يَكُونُ بِفَقْدِهِ مِنْ كَافِرِينَا

آخر:
لَعَمَرْيَ مَا عُمْرٌ يُعَدُّ بِضَائِعِ ** إِذَا كَانَ بِالتَّهْلِيلِ وَالذِّكْرِ يُعْمَرُ

آخر:
إِذَا الْمَرْء لَمْ يُدْرِكْ رِضَى خَالِقُ الْوَرَى ** فَمَا حَظُّهُ فِي أَنَّ يَطُولَ بِهِ الْعُمْرُ

آخر:
لِمَنْ تَطْلُبُ الدُّنْيَا إِذَا لَمْ تَرِدْ بِهَا ** رِضَى الْمَلِكِ الْقُدُوس رَبِّ الْبَرِيّة

آخر:
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ضَيَّعْتُهُ عِوَضٌ ** وَمَا مِنْ الله عَن ضَيْعَتِهِ عِوَضُ

وقد مضت سنة احكم الحاكمين لمن أراد به خيرا أن يقدم الابتلاء بين يديه ومن أسباب السلو عن المصائب وأقوى الأدوية بإذن الله تعالى لفاقد الحبيب العلم بأن الدنيا فانية وزائلة وأنها مخلوقة للذهاب والأفول وأن ما فيها يتغير ويتحول ويضمحل ويفنى لأنها إلى الآخرة طريق وهي مزرعة للآخرة.
روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال كان لسليمان بن داود عليهما السلام ابن يجد به وجدًا شديدًا فمات الغلام فحزن عليه حزنًا شديدًا وروي ذلك في قضائه ومجلسه فبعث الله إليه ملكين في هيئة البشر فقال: ما أنتما؟ فقالا خصمان قال: اجلسا بمجلس الخصوم فقال أحدهما: إني زرعت زرعًا فأتى هذا فأفسده.
قال سليمان عليه السلام: ما يقول هذا؟ قال: أصلحك الله إنه زرع في الطريق وإني مررت به فنظرت يمينًا فإذا الزرع ونظرت شمالاً فإذا الزرع ونظرت قارعة الطريق فإذا الزرع فركبت قارعة الطريق فكان في ذلك فساد زرعه.
فقال سليمان عليه السلام: ما حملك على أن تزرع بالطريق أما علمت أن الطريق سبيل الناس ولابد للناس أن يسلكوا سبيلهم فقال له أحد الملكين أو ما علمت يا سليمان أن الموت سبيل الناس ولابد للناس من أن يسلكوا سبيلهم.
قال: فكأنما كشف عن سليمان الغطاء وهذا من لطيف التعزية لمن حلت به رزية.
أَرَى الدَّهْرَ أَغْنَى خُطْبَة عَنْ خُطَّابُهُ ** بِوَعْظٍ شَفَى الْبَابَنَا بِلُبَابِهِ

لَهُ قَلْبٌ تَهْدِي الْقُلُوب صَوَادِيًا ** إِلَيْهَا وَتَعْمَى عَن وَشِيكِ انْقِلابِهِ

هُوَ اللَّيْثُ إِلا أَنَّهُ وَهُوَ خَادِرٌ ** سَطَا فَأَغَابَ اللَّيْثَ عَنْ أَنْسِ غَابِهِ

وَهَيْهَاتَ لَمْ تَسْلَمْ حَلاوَةَ شَهْدِهِ ** لِصَابٍ إِلَيْهِ مِنْ مَرَارَةِ صَابِهِ

مُبِيدٌ مَبَادِيهِ تَغُرُّ وَإِنَّمَا ** عَوَاقِبَهُ مَخْتُومَةٌ بِعِقَابِهِ

أَلَمْ تَرَ مَنْ سَاسَ الْمَمَالِكِ قَادِرًا ** وَسَارَتْ مُلُوكُ الأَرْضِ تَحْتَ رِكَابِهِ

وَدَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَكَادَتْ تُحِلُّهُ ** عَلَى شُهْبِهَا لَوْلا خُمُودُ شِهَابِهِ

لَقَدْ أَسْلَمْتُهُ حَصْنَهُ وَحُصُونُهُ ** غَدَاة غَدا عَنْ كَسْبِهِ بِاكْتِسَابِهِ

فَلا فِضَّةٌ أَنْجَتْهُ عِنْدَ انْفِضَاضِهِ ** وَلا ذَهَبٌ أَغْنَاهُ عِنْدَ ذَهَابِهِ

سَلا شَخْصِه وَرَّاثُهُ بِتُرَاثِهِ ** وَأَفْرَدَهُ أَتْرَابَهُ بِتُرَابِهِ

والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وسلم.
فصل:
قيل لرجل: إنك تموت؟ قال: وإلى أين يذهب بي؟ قالوا: إلى الله. قال: ما أكره أن يذهب بي إلى من لم أرى الخير إلا منه ولو قال أنا أفرح وأسر وأستبشر بذهاب إلى الله.
وعزى رجل آخر بابنٍ له فقال: كان لك من زينة الحياة الدنيا وهو اليوم من الباقيات الصالحات.
ولما احتضر المنصور قال: اللهم إن كنت تعلم أني قد ارتكبت الأمور العظام جرأة مني عليك فإنك تعلم أني قد أطعتك في أحب الأشياء إليك شهادة أن لا إله إلا الله مَنًّا منك لا منًّا عليك.
ومات عبد الله بن مطرف فخرج مطرف في ثياب حسنة فأنكر عليه فقال: أفأستكين لها وقد وعدني عليها ربي ثلاثًا إحداها أحب إلي من الدنيا وما فيها: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
قيل إنه دخل ملك الموت على داود عليه وعلى نبينا السلام، قال: من أنت؟ قال: الذي لا يهاب الملوك ولا تمنع منه القصور ولا يقبل الرشى.
قال: فإذا أنت ملك الموت ولم استعد بعد قال: يا داود أين جارك فلان أين قريبك فلان، قال: مات. قال: أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد للموت.
عن عائشة رضي الله عنها لما مات عثمان بن مظعون كشف النبي صلى الله عليه وسلم الثوب عن وجهه فقبل ما بين عينيه وبكى طويلاً: فلما رفع على السرير قال: «طوباك يا عثمان لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها».
ودخل على المأمون في مرضه وهو يجود بنفسه فإذا هو قد فرش له جل الدابة وبسط عليه الرماد وهو يتمرغ عليه ويقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه.
وقال عمرو بن العاص لابنه حضره الموت من يأخذ هذا المال بما فيه قال: من جدع الله أنفه فقال: احملوه إلى بيت مال المسلمين.
ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن التوبة مبسوطة ما لم يغرغر ابن آدم بنفسه». ثم استقبل القبلة فقال: اللهم إنك أمرتنا فعصينا ونهيتنا فارتكبنا هذا مقام العائذ بك فأهل العفو أنت.
وإن تعاقب فبما قدمت يداي «سبحانك لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين» فمات وهو مغلول مقيد فبلغ الحسن بن علي فقال: استسلم الشيخ حين أيقن بالموت ولعلها تنفعه.
قالت عائشة رضي الله عنها: لا أغبط أحدًا بهوان الموت بعد الذي رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسمع أو الدرداء رجلاً يقول في جنازة: من هذا؟ قال: أنت وإن كرهت فأنا.
وسمع الحسن امرأة تبكي خلف جنازة وتقول: يا أبتاه مثل يومك لم أره. فقال لها: بل أبوك مثل يومه لم يره.
وقيل: إنه لما احتضر إبراهيم عليه السلام قال: هل رأيت خليلاً يقبض روح خليله فأوحى الله إليه: هل رأيت خليلاً يكره لقاء خليله. قال: اقبض روحي الساعة.
ونعيت إلى ابن عباس بنت له في طريق مكة، فنزل عن دابته فصلى ركعتين ثم رفع يديه... وقال: عورة سترها الله، ومؤنة كفاها الله، وأجر ساقه الله. ثم ركب ومضى.
وقال رجل لأويس القرني أوصيني. قال: توسد الموت إذا نمت واجعله نصب عينيك إذا قمت. وقال الثوري: ينبغي لمن كان له عقل إذا عقل إذا أتي عليه عمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يهيئ كفنه.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عمرو بن عبيد يعزيه أما بعد فإنا أناس من أهل الآخرة أسكنا في الدنيا أموات أباء أموات أبناء أموات فالعجب لميت يكتب إلى ميت يعزيه عن ميتٍ.
وقيل للحسن فلان في النزع. قال: وما معنى النزع؟ قالوا: القرب. قال: هو في ذلك منذ خلق.
وتوفيت أم قاضي بلخ فقال له حاتم الأصم: إن كانت وفاتها عظة لك فعظم الله أجرك على موت أمك وإن لم تتعظ بها فعظم الله أجرك على موت قلبك.
وقال له: أيها القاضي منذ كم تحكم بين عباد الله؟ قال منذ ثلاثين سنة قال: هل رد الله عليك حكمًا؟ قال: لا قال فإن الله لم يرد عليك أحكامك في ثلاثين وترد حكمًا واحدًا حكم عليك.
وعزى آخر بأخيه فقال له: انظر مصيبتك في نفسك تنسك فقد غيرك واذكر قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} وخذ بقول الشاعر:
تَعز فَكُلُّ سَالِكٍ لِسَبِيلِهِ ** وَكُلُّ امْرِئٍ مِنْ خَشْيَةِ الْمَوْتِ جَازِعٌ

وَنَحْنُ سَوَاءٌ فِي الْمُصَابُ وَإِنْ نَأَتْ ** بِنَا الدَّار فَالأَرْحَامُ مِنَّا جَوَامِعُ

وَلا شَكَّ مِنَّا بِالتَّعَزِي وَإِنَّمَا ** نُعَزِّيكَ إِذَا جَاءَتْ بِذَاك الشَّرَائِعُ

آخر:
تَفَكَّرْ فَإِنْ كَانَ الْبُكَا رَد هَالِكًا ** عَلَى أَحَدٍ فَاجْهَدْ بُكَاء عَلَى عَمْرو

وَلا تَبْكِ مَيِّتًا بَعْدَ مَيِّتٍ أَجِنَّه ** عَلي وَعَبّاس وَآل أَبِي بَكْرٍ

آخر:
وَيَبْكِي عَلَى الْمَوْتَى وَيَتْرُكُ نَفْسَهُ ** وَيَزْعُمُ أَنْ قَدْ قَلَّ عَنْهُمْ عَزَاؤُهُ

وَلَوْ كَانَ ذَا عَقْلاً وَرَأْيٍ وَفِطْنَة ** لَكَان عَلَيْهِ لا عَلَيْهُمْ بُكَاؤُهُ

إِلَهِي عَفْوًا مِنْ ذُنُوبٍ تَثَاقَلَتْ ** عَلَى ظَهْرِ عَبْدٍ لا يُطِيقُ لَهَا حِمْلاً

عَصَاكَ فَيَا مَوْلاهُ مِنْ دُونِ رَقَبَةٍ ** وَيَخْشَى إِذَا تُبْلَى السَّرَائِرُ أَنْ يُبْلَى

فَإِمَّا إِلى نَارٍ وَإِمَّا لِجَنَّةٍ ** وَكُلُّ امْرِئٍ يُجْزَى بِفِعْلَتِهِ قُبُلا

وَيَرْكَنُ لِلراحَات قَبْلَ بُلُوغِهَا ** وَكَمْ ضَاحِكٍ كَانَ الْبُكَاءُ بِهِ أَوْلاً

فَمَا نَحْنُ فِي الدُّنْيَا لِنَعْصِرَ وَجْهَنَا ** وَلا لِنَرَى غَيْرَ اعْتِبَارٍ بِهَا شُغْلاً

فَيَا رَبّ وَفِّقْ للرَّشَادِ مَطَالِبِي ** وَيَسِّرْ لِمَا تَهْوَاهُ لِي مِنْ هُدَى فِعْلاً

والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
فصل:
وكتب ابن السماك إلى هارون الرشيد يعزيه بولده فقال أما بعد فإن استطعت أن يكون شكرك لله عز وجل حيث قبضه كشكرك له حيث وهبه لك فافعل فإنه حيث قبضه أحرز لك هبته.
ولو بقي لم تسلم من فتنة أرأيت جزعك على ذهابه وتلهفك على فراقه أرضيت الدار لنفسك فترضاها لأبيك أما هو فقد خلص من الكدر وبقيت متعلقًا بالخطر، والسلام.
وإن شاء قال إذا كان صغيرًا عظم الله أجرك وجبر مصيبتك وأذهب عنك الحزن وجعله لك فرطًا وذخرًا ووسيلة لاكتساب الأجر في الأخرى وأنت خبير بأن الموت مصير كل العباد قال الله جل وعلا وتقدس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}.
ومثلك ولله الحمد لا يحتاج إلى التسلية والنصيحة لأنه ليس بخاف عليك أن الصبر قد حث الله عليه ووعد بكثرة الأجر وأنه أولى ما تمسك به مؤمن واعتصم به محتسب فالتسليم لأمر الله بما قدره وقضاه في سابق علمه يستوجب الثواب الجزيل وحسبنا الله ونعم الوكيل.
كُلُّ الْمَصَائِبِ قَدْ تَمُرّ عَلَى الْفَتَى ** وَتَهُونُ غَيْر مُصِيبَةِ فِي الدِّين

آخر:
رَأَيْتُ بَنِي الدُّنْيَا كَوَفْدَيْنِ كُلَّمَا ** تَرَحَّلُ وَفْد حَطَّ فِي إِثْرِهِ وَفْدٌ

وَكُلٌّ يَحُثُّ السَّيْرَ عَنْهَا وَنَحْوَهَا ** فَيَمْضِي بِذَا نَعْش وَيَأْتِي بِذَا مَهْدُ

آخر:
وَتَأْكُلُنَا أَيَّامُنَا فَكَأَنَّمَا ** تَمُرُّ بِنَا السَّاعَاتُ وَهِيَ أُسُودُ

آخر:
وَمَا هَذِهِ الأَيَّامُ إِلا مَرَاحِلُ ** يَحُثُّ بِهَا حَاد مِنَ الْمَوْتُ قَاصِدٌ

وَأَعْجَبُ شَيْءٍ لَوْ تَأَمَّلْتَ أَنَّهَا ** مَنَازِلُ تُطْوَى وَابْن آدَم قَاعِدُ

أو تقول: بلغني وفاة الأخ العزيز تغمده الله في رحمته التي وسعت كل شيء ووفقنا وإياكم للصبر والاحتساب.
وعلى كل حال فالأخ أولى من يتلقى أمر الله بالقبول والتسليم ويلقى الخطوب الصادعة بقلب سليم وهو أدرى بأن هذه الدار ليست بدار قرار وأن المفقود نزل في جوار الكريم وشتان بين ذاك الجوار وهذا الجوار.
وليس إلا الصبر واحتساب الأجر من المولى الأجل هذا وكل منا يعلم أن الموت منهل لابد من وروده ومحضر لابد من شهوده ورسول لابد منه وأمر لا محيص ولا مفر عنه وما مات أحد قبل أجله الذي قدر له ولا تقدم عنه ولا تأخر قال تعالى: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} وقال صلى الله عليه وسلم: «إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب».
وعن معاوية بن أياس عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فقد رجلاً من أصحابه فسأل عنه فقالوا يا رسول الله ابنه الذي رأيته هلك.
فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ابنه فأخبره أنه هلك فعزاه عليه ثم قال: «يا فلان أيما أحب إليك أن تتمتع به عمرك أو لا تأتي غدًا بابًا من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك». فقال: يا نبي الله يسبقني إلى الجنة يفتحها لي هو أحب إلي. قال: «فذلك لك».
فقيل: يا نبي الله هذا له خاصة أم للمسلمين عامة قال: بل للمسلمين عامة. وبلغ الشافعي أن عبد الرحمن بن مهدي مات له ابن فجزع عليه جزعًا شديدًا فبعث إليه الشافعي يقول يا أخي عز نفسك بما تعز به غيرها واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك.
واعلم أن أمضى المصائب فقد سرور وحرمان أجر فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وزر فتناول حظك يا أخي إذا قرب منك أن تطلبه وقد نأى عنك ألهمك الله عند المصائب صبرًا وأحرز لنا ولك بالصبر أجرًا وكتب إليه يقول:
إِنِّي مُعَزِّيَكَ لا أَنِّي عَلَى ثِقَةٍ ** مِنَ الْحَيَاةِ وَلَكن سُنَّةُ الدِّينِ

لَيْسَ الْمُعَزِي بِبَاقٍ بَعْدَ مَيْتِهِ ** وَلا الْمُعَزِي وَإِنْ عَاشَا إِلَى حِينٍ

وَعَزَّى رَجُلٌ عُمر بن عبد العزيز فقال:
تَعَزَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ ** لَمَّا قَدْ تَرَى يُفْدى الصَّغِير وَيُولَدُ

هَلْ ابْنَكَ مِنْ سُلالَةِ آدَم ** لَكُلّ عَلَى حَوْضِ الْمَنِيَّةِ مُورِدُ

فقال: ما عزاني أحد بمثل تعزيتك.
وكتب رجل إلى بعض إخوانه يعزيه بابنه: أما بعد فإن الولد على والده ما عاش حزن وفتنة فإذا قدمه فصلاة ورحمة فلا تحزن على ما فاتك من حزنه وفتنته ولا تضيع ما عوضك الله تعالى من صلاته ورحمته.
وقال محمد بن المهدي لإبراهيم بن سلمة وعزاه بابنه: أسرك وهو بلية وفتنة وأحزنك وهو صلاة ورحمة واعلم يا أخ إن كل المصائب التي تمر على الإنسان تهون إلا مصيبة الدين لا ينجبر كسرها كما قيل:
وَكُلُّ كَسْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَجْبُرُهُ ** وَمَا لِكَسْرِ قَنَاةِ الدِّينِ جُبْرَانٍ

وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه وألهمنا وإياك الرضا بقضائه وقدره ويحرم الندب وهو تعداد محاسن الميت بلفظ النداء مع زيادة ألف وها في آخره واسيداه واجبلاه وانقطاع ظهراه والنياحة هي رفع الصوت بذلك برنة وهي محرمة أيضًا قالت أم عطية: أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم في البيعة أن لا ننوح. متفق عليه.
إِذَا مَاتَ ابْنَهَا صَرَخَتْ عَلَيْهَ ** وَمَاذَا تَسْتَفِيدُ مِنَ الصُّرَاخِ

سَتَتْبَعُهُ كَعَطْفِ الْفَاءِ لَيْسَتْ ** بِمُهْل أَوْ كَثْم عَلَى التَّرَاخِي

وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة ويحرم شق الثوب ونحوه ويحرم لطم الخد والصراخ ونتف الشعر ونشره لما ورد عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية».
وعن أبي بردة قال: وجع أبو موسى وجعًا فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله، فصاحت امرأة من أهله فلم يستطيع أن يرد عليها شيئًا فلما أفاق قال: أنا بريء ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة.
وعن المغيرة بن شعبة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه: «من ينح عليه يعذب بما نيح عليه». وفي صحيح البخاري عن النعمان بن بشير قال: أغمى على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي واجبلاه واكذا واكذا تعدد عليه. فقال حين أفاق: ما قلت شيئًا إلا قيل أنت كذلك فلما مات لم تبك عليه.
وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الميت يعذب ببكاء الحي إذا قالت النائحة: وا عضداه وا ناصراه وا اكسياه جبذ الميت وقيل له: أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسيها». رواه أحمد.
وسن أن يصلح لأهل الميت طعامًا يبعث به إليهم ويكره لهم فعله للناس لما ورد عن عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعي أبي حين قتل قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا لآل جعفر طعامًا فقد أتاهم ما يشغلهم». رواه الخمسة إلا النسائي قال الزبير: فعمدت سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى شعير وأدمته بزيت جعل عليه وبعثت به إليهم.
ويروى عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال: فما زالت السنة فينا حتى تركها من تركها وسواء كان الميت حاضرًا أو غائبًا وأتاهم نعيه وينوى فعل ذلك لأهل الميت لا لمن يجتمع عندهم فيكره لأنه إعانة على مكروه وهو اجتماع الناس عند أهل الميت نقل المروزي عن أحمد هو من أفعال الجاهلية.
يَسُرُّ الْفَتَى بِالْعَيْشِ وَهُوَ مُبِيدُهُ ** وَيَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا وَمَا هِيَ دَارَهُ

وَفِي عِبَرِ الأَيَّامِ لِلْمَرْءِ وَاعِظٌ ** إِذَا صَحَّ فِيهَا فِكْرهُ وَاعْتِبَارُهُ

فَلا تَحْسَبَنَّ يَا غَافِلَ الدَّهْرِ صَامِتًا ** فَأَفْصِحُ شَيْءٍ لَيْلَهُ وَنَهَارُهُ

اصْخِ لِمُنَاجَاةِ الزَّماَنِ فَإِنَّهُ ** سَيُغْنِيكَ عَنْ جَهْرِ الْمَقَالِ سِرَارُهُ

أَدَارَ عَلَى الْمَاضِينَ كَأْسًا فَكُلُّهُمُ ** أبيحتْ مَغَانِيهُ وَأَقْوَتُ دِيَارِهِ

وَلْمْ يَحْمِهِمْ مِنْ أَنْ يَسْقُوا بِكَأسِهِمْ ** تَنَاوُشْ أَطْرَافِ الْقَنَا وَاشْتِجَارِه

اللهم نور قلوبنا بنور الإيمان ووفقنا لمحبتك ومحبة من يحبك وألهمنا ذكرك وشكرك واجعلنا من عبادك الصالحين واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.